الحضارة
سبق وريادة وتجديد
اهتمت الدولة الإسلامية في عهد الخلافة الراشدة والأموية والعباسية بالعلوم والمدنية كما اهتمت بالنواحي الدينية فكانت الحضارة الإسلامية حضارة تمزج بين العقل والروح، فامتازت عن كثير من الحضارات السابقة. فالإسلام دينٌ عالمي يحض على طلب العلم وعمارة الأرض لتنهض أممه وشعوبه، وتنوعت مجالات الفنون والعلوم والعمارة طالما لا تخرج عن نطاق القواعد الإسلامية؛ لأن الحرية الفكرية كانت مقبولة تحت ظلال الإسلام، وامتدت هذه الحضارة القائمة بعدما أصبح لها مصارفها وروافدها لتشع على بلاد الغرب وطرقت أبوابه، وهذه البوابة تبرز إسهامات المسلمين في مجالات الحياة الإنسانية والاجتماعية والبيئية، خلال تاريخهم الطويل، وعصورهم المتلاحقة.
ملخص المقال
مدن الجزائر المهمة من الناحية التاريخية كثيرة؛ كالجزائر ووهران وقسنطينة وعنابة وسطيف، وأيضًا مدينة تلمسان التي تقع في الشمال الغربي من الجزائر.
مدن الجزائر المهمة من الناحية التاريخية كثيرة؛ كالجزائر، ووهران، وقسنطينة، وعنابة، وسطيف، وأيضًا مدينة تلمسان التي تقع في الشمال الغربي من الجزائر، وتبعد عن العاصمة الجزائرية بنحو 600 كيلومتر و40 كيلومتراً عن الحدود المغربية، تلقب بـلؤلؤة المغرب الكبير، وجوهرة الغرب الجزائري، وقد تأسست مدينة تلمسان في القرن الرابع على يد الرومان وكانت تعرف باسم بوماريان والتي تعني المراعي، وقيل سكنها الأمازيغ قبل الرومان وبَنَوا فيها أصل المدينة القديمة وهي «أغادير»، أي القلعة، وأطلقوا على البلدة كلها اسم تلمسان أي الينابيع.
فتحت مدينة تلمسان على يد المسلين بقيادة عقبة بن نافع سنة 51هـ= 671م، وأصبحت مركزا للعديد من الدول الإسلامية: وأشهرها المرابطون وبنو زيان من زناتة، فضلًا عن الدولة الإدريسية والموحدين والمرينيين، وكانت أيضًا عاصمة الدولة الزيانية، وحاضرة ملكهم في تلك الفترة (633-961 هـ= 1235-1554م)، وفي عام 1492م لجأ إلى مدينة تلمسان مئات الآلاف من سكان الأندلس، وكانت مركز المقاومة بقيادة الأمير عبد القادر منذ 1937م إلى أن سقطت في قبضة الاستعمار الفرنسي كاملةً سنة 1842م، ومن ناحية أخرى فإن تلمسان يوج بها أماكن حضارية مهمة، ومن أمثلة ذلك الحمامات العامة، والتي تعتبر رقي حضاري؛ ووسيلة للنظافة وتخفيف الآلام والبحث عن الجمال، وقد كانت تلحق بالبناءات الاجتماعية والدينية بما في ذلك بيوت الله، وكان العاهل أبو تاشفين أكثر المهتمين ببنائها، ومن أشهر تلك الحمامات:
«مَّام العالية: بالقرب من باب الحديد، ويصفه الرحالة العبدري (688ه) بأنه أحسن وأنظف حمامات المدينة، وأكتسب شهرة فائقة، فقل أن تجد له نظيرًا.
حمّام الصبّاغين: يُعد من أقدم حمامات تلمسان، ويقع بالزقاق الرابط بين شارع معسكر وخلدون، وسُمِّي بذلك لوقوعه بجوار سوق الصباغين، ولا يزال موجودًا إلى اليوم.
حمام الطبول: ورد اسمه في وثيقة الأوقاف التي أصدرها أبو حمو موسى الثاني (الدولة الزيانية) والخاصة بالمدرسة اليعقوبية (765 ه) يكون الحمام أحد مصادر الإنفاق.
حمام سيدي بومدين: وهو من زهاد القرن السابع الهجري بالعباد ولا يزال يقوم بوظيفته.
حمام سيدي سليمان: من الحمامات العثمانية، وكان لكل حي حمامٌ خاص به تقريبًا، كما وجدت حمامات خاصة في منازل الأغنياء وفي قصور السلاطين والأمراء والوزراء تجنبًا لمخالطة العوام بهذه الحمامات، ليس مقصودًا هنا حمامات المياه الطبيعية إلى جوار العيون، مثل الشيقر وبو غرارة وغيرها.
من المسائل المهمة أيضًا أنه كان لابد أن تراعى في هذه الحمامات مسألة ستر العورة: ودخول النساء مختلف عليه؛ فالبعض كرهه مطلقًا، لحديث أبي داود عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ، قَالَ: دَخَلَ نِسْوَةٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها، فَقَالَتْ: مِمَّنْ أَنْتُنَّ قُلْنَ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ قَالَتْ: لَعَلَّكُنَّ مِنَ الْكُورَةِ الَّتِي تَدْخُلُ نِسَاؤُهَا الْحَمَّامَاتِ قُلْنَ: نَعَمْ قَالَتْ: أَمَا إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَا مِنَ امْرَأَةٍ تَخْلَعُ ثِيَابَهَا فِي غَيْرِ بَيْتِهَا إِلَّا هَتَكَتْ، مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى»[1].
أيضًا يباح دخول الحمام مع أمن انكشاف العورات، قَالَ أَحْمَدُ: إنْ عَلِمْتَ أَنَّ كُلَّ مَنْ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ عَلَيْهِ إزَارٌ فَادْخُلْهُ، وَإِلَّا فَلَا تَدْخُلْ، يَنْبَنِي حُكْمُ دُخُول النِّسَاءِ الْحَمَّامَاتِ الْعَامَّةِ عَلَى كَشْفِ الْعَوْرَةِ وَسِتْرِهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، فَإِنْ كَانَتِ الْعَوْرَةُ مَسْتُورَةً، وَلاَ تَرَى وَاحِدَةٌ عَوْرَةَ الأُخْرَى فَالدُّخُول جَائِزٌ، وَإِلاَّ كَانَ الدُّخُول مَكْرُوهًا تَحْرِيمًا، كَمَا يَقُول الْحَنَفِيَّةُ، وَغَيْرُ جَائِزٍ كَمَا يَقُول الْمَالِكِيَّةُ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قِيل: يُكْرَهُ. وَقِيل: يَحْرُمُ وَعَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهَا دُخُول الْحَمَّامِ لِعُذْرٍ مِنْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ مَرَضٍ.
جميل أن نجد في الحضارة الإسلامية هذا الاهتمام بالنظافة الشخصية، وجميل كذلك ان نجد الدين يضع الضوابط، فيتحقَّق النفع للناس، ويُتجنَّب الضرر، وجميل أيضًا أن ندرك توقيت الاهتمام بهذه النظافة: تقول المستشرقة الألمانية زيجريد هونكه: صادفت الفقيه الأندلسي الطرطوشي خلال تجواله في بلاد الفرنجة أمور تقشعرُّ منها الأبدان، وهو المُسْلِمُ الذي فُرِضَ عليه الاغتسال والوضوء خمس مرات يوميًّا، اسمعه يقول: لن ترى أبدًا أكثر منهم قذارة؛ إنهم لا ينظِّفُون أنفسهم، ولا يستحمُّون إلاَّ مَرَّة أو مرتين في السَّنة بالماء البارد، وأمَّا ثيابهم فإنهم لا يغسلونها بعد أن يرتدوها؛ حتى تُصْبِحَ خِرَقًا بالية مهلهلة، وتُضِيف فتقول: إن مِثْلَ هذا الأمر -من القذارة- لا مجال لأنْ يفهمه العربي المتأنِّق أو يحتملهن ثم ذَكَرَتْ أن مدينة بغداد كانت تزدحم في القرن العاشر للميلاد (الرابع الهجري) بآلاف الحمَّامات الساخنة مع المولجين بها، من ممسَّدين (المسد: الليف) ومزيِّنين[2].
[1] سنن أبي داود (4010)، وقال الألباني: صحيح. سنن الترمذي ت بشار (2803) وفيه أنهن من أهل حمص.
[2] لمشاهدة الحلقة على اليوتيوب اضغط هنا
التعليقات
إرسال تعليقك